استخدام الأدوية النفسية لمن يُعانون من الاضطرابات النفسية أمر في غاية الأهمية، فالمواظبة على الأدوية التي يصفها الطبيب النفسي المُختص ضرورية لأن الانقطاع عن الدواء النفسي بصورةٍ فُجائية قد يكون له عواقب وخيمة. فأغلب الانتكاسات التي تحدث للمرضى النفسيين يكون نتيجةً للانقطاع عن استخدام الأدوية. الأدوية النفسية تختلف عن ألأدوية الأخرى، لأن الانقطاع المفاجئ عن تعاطي بعض الادوية قد يُسبب انتكاسات وكذلك بعض الأدوية الانقطاع عنها قد يُسبب صرعا كما هو الحال في الأدوية المعروفة بالبنزودايازابين. لذلك يُنصح بعدم التوّقف عن أي دواء نفسي الا بعد مناقشة الطبيب المعالج.
هناك حالات خاصة وهي حالة المرأة أثناء الحمل أو الرضاعة. أحياناً المرأة تكون تستخدم أدوية نفسية وتحمل دون تخطيط وتكتشف بأنها حامل وهي تستخدم بعض الأدوية النفسية، وتقع في مشكلة وقلق نتيجة الخوف على صحة الجنين، لذلك سوف ننُاقش هذا الموضوع بشكلٍ عام.
يجب أن نُنبه الى أنه من الأفضل على المرأة الحامل أن تتجنب أخذ أي علاج نفسي أو غيره خلال الثلاثة أشهر الأولى الا عند الضرورة القصوى، لأن الأشهر الثلاثة الأولى هي المرحلة التي يتكون فيها الجنين لذلك يجب على المرأة الحامل أن تتوخى أقصى الحذر في تناول أي أدوية حتى الأدوية البسيطة مثل البندول والأسبرين الا عند الضرورة القصوى.
أولاً: الأدوية المضادة للاكتئاب:
نظراً لأن الاكتئاب من الأمراض الشائعة بين النساء على وجه الخصوص، حيث قد تصل نسبة الاصابة بالاكتئاب الى 12%، وهذه نسبة مُرتفعة بكل المقاييس. وكثير من السيدات يستخدمن أدوية مضادة للاكتئاب. ماهو وضع المرأة المريضة النفسية بالاكتئاب وتسخدم دواء مضادا للاكتئاب.
بالنسبة لهذا الوضع فان الأمر يعتمد على نوع الدواء المضاد للاكتئاب، فالأدوية المضادة للاكتئاب القديمة والتي تُعرف بمضادات الاكتئاب الثلاثية مثل الأنافرانيل والتريبتزول والتوفرانيل؛ هذه الأدوية يجب تجنبها عند الحمل . فالمرأة التي تُخطط للحمل يجب أن تتوقف عن تناول مثل هذه الأدوية وتتناقش مع الطبيب المُعالج، لكي يغير هذا العلاج لأن استخدام مثل هذه الأدوية يؤثر على الجنين وقد يسبب تشوهات للجنين، خاصةً اذا استُخدم في الفترة الأولى من الحمل (أي الأشهر الثلاثة الأولى). يجب أن يؤخذ هذا الأمر بشكلٍ جاد لأن التشوهات للجنين الذي تتناول والدته مثل هذه الأدوية خطيرة وقد يُسبب عاهات وتشوّهات شديدة للجنين وربما يتوفى الجنين نتيجة بعض التشوهات في القلب. لذلك يُنصح السيدات اللاتي يُعانين من الاكتئاب وهن يردن الانجاب الابتعاد من البداية عن مثل هذه الأدوية ،و أن تبدأ من بداية العلاج في استخدام أدوية مُضادة للاكتئاب تكون آمنة فيما لو حدث حمل والسيدة تستخدم الدواء، وهناك أدوية جديدة وحديثة لا تؤثر على الجنين لو تناولت الأم الحامل مثل هذه الأدوية أثناء فترة الحمل . الخلاصة بالنسبة لهذه العلاجات وهي أدوية فعّالة وجيدة ولكنها غير آمنة وتُسبب تشوهات للجنين اذا تناولته المرأة الحامل، لذا فالأفضل أن تبتعد المرأة عن تناول هذه الأدوية المضادة للاكتئاب والتي تعرف بثلاثية الحلقات، وقد تختلف الأسماء ولكن يجب سؤال الطبيب المُعالج عن نوع الأدوية التي سوف يصفها، ومحاولة تجنّب استخدام الأدوية المذكورة. المشكلة أن هذه الأدوية رخيصة الثمن، لذلك فان المستشفيات الحكومية تستخدمها نظراً لعدم توّفر ميزانية كافية للأدوية، وكذلك فان استهلاك المستشفيات النفسية وحتى العامة من الأدوية المضادة للاكتئاب كبير، ومن الصعب على المستشفيات توفير الأدوية الحديثة لهؤلاء المرضى. أود أن أشُير الى أن يوضع بعين الاعتبار السيدات اللاتي في سن الانجاب واللاتي يرغبن في الانجاب بأن يعطين الأولية في تناول الأدوية المضادة للاكتئاب من الأنواع الجديدة، نظراً لظروفهن خاصة ومن المهم أن يتناولن الأدوية الآمنة، بحيث لو حدث حمل فان نسبة تشوه الجنين تكون قليلة أو نادرة. بالنسبة للمرأة المُرضع فأنه أيضاً يُنصح بعدم أن تُرضع طفلها لأن الدواء ينتقل عن طريق حليب الأم الى الطفل ويُعرضه للأعراض الجانيبة للعلاج. وهذه الأعراض الجانبية مثل بعض المشاكل في القلب والجهاز الدوري وكذلك جفاف الحلق وزيادة الوزن. لذلك ننصح بعدم الرضاعة للأم التي تتناول الأدوية الثلاثية الحلقات المضادة للاكتئاب.
الأدوية المُثبطة
النوع الثاني من الأدوية المضادة للاكتئاب وهو المعروف بالأدوية المُثبطة للسيروتونين، مثل البروزاك، السيروكسات، السيبراليكس، الفافرين، وهذه الأدوية مفعوله لا يقل عن مفعول الأدوية ثلاثية الحلقات التي تحدثنا عنها قبل قليل، ولكن الميزة لهذه الأدوية بأنها آمنة أثناء الحمل، وحتى لو حدث حمل للسيدة وهي تستخدم أي نوع من هذه الأدوية فان الخطورة في حدوث تشوهات للجنين بنسبة ضئيلة جداً لا تذكر، وذلك حسب الدراسات التي أجُريت على مدى عشر سنوات. لذلك فهذا الدواء ليس هناك خطورة من استخدامه أثناء الحمل. ولكن يُفضل أن يتم ايقاف العلاج في الأشهر الثلاث الأولى من الحمل الا اذا كانت السيدة لا تستطيع الاستغناء عن هذا الدواء وهو آمن حيث لا يُسبب مشاكل للجنين. وبعد الأشهر الثلاث الأولى يمكن أن يستخدم أي نوع من الأدوية المذكورة والمرأة مُرتاحة البال لأن هذه الأنواع من الأدوية آمنة ولا يخشى أن يحدث أي تشوهات للجنين. لذلك فان أستخدام مثل هذا الدواء لعلاج الاكتئاب عند المرأة الحامل فاعل وآمن ولا يُسبّب مشاكل للجنين فيما لو حدث حمل أثناء تناول مثل هذه الأدوية، وحتى وان كانت المرأة لا تستطيع الاستغناء عن العلاج المضاد للاكتئاب فترة الحمل -وهذا قد يحدث كثيراً- نظراً لأنها قد تُعاني من الاكتئاب بصورةٍ مُزعجة. فبعض النساء المريضات بالاكتئاب لا يستطعن الاستغناء عن الدواء حتى في فترة الحمل وتنتكس حالتها بصورةٍ مُزعجة، فلذلك يفضّل كثير من المريضات بالاكتئاب خاصةً اذا كان الاكتئاب حاداً، وهناك تاريح لمرض الاكتئاب في العائلة مثل الوالدة أو الأخت، وايضاً اذا كان لدى المرأة تاريخ اصابة سابقة باكتئاب ما بعد الولادة، وذلك حمايةً لها من أن تُصاب بمرض اكتئاب مابعد الولادة والذي قد يكون خطيراً على حياة المرأة وكذلك على حياة أطفالها.. فاكتئاب مابعد الولادة مُنتشر بصورة كبيرة بين السيدات، ونسبة الاصابة بالاكتئاب البسيط بعد الولادة في اليوم الثالث يصل مثلاً الى 80% من السيدات يُعانين من انخفاض في المزاج ونوبات بكاء ولكن بالطبع ليس هذا مرضاً أكلينكياً ولكنه يعرف بنوبات انخفاض المزاج . عيب هذه الأدوية بأنها غالية الثمن، لذلك فان كثيرا من المستشفيات الحكومية لا تميل الى صرف مثل هذه الأدوية وحتى الى ادخالها الى قائمة الأدوية المتواجدة في صيدليات المستشفى وذلك نظراً لارتفاع أسعارها. وهذا مفهوم لأن الاهتمام بالصحة النفسية بوجهٍ عام يأتي في آخر قائمة اهتمامات المسؤولين في الخدمات الصحية. فهناك مثلاً أقسام القلب والاورام والنساء والولادة، تحظى بميزانيات ضخمة نظراً للاهتمام بالمرضي الذين يُعانون من هذه الأمراض . بينما المرضى النفسيون لا يُعطى لهم أي أهمية وأحياناً تُنفق موارد للصحة النفسية الى أمور اخرى. وهذا في جميع دول العالم، ماعدا الدول المتقدمة وذلك لأسباب سياسية وارضاء المواطنين نظراً للعملية الديمقراطية، التي تُركّز على الصحة بشكلٍ عام وفي السنوات الأخيرة بدا واضحاً الاهتمام بالمرضى النفسيين ورعايتهم نظراً لتسليط الضوء من الاعلام على المرضى النفسيين وعلاجهم ورعايتهم..!
اننا نُريد عملا جيدا وبصورة عملية وليس فقط للحديث بأننا نؤمن أدوية نفسية، نُريد أدوية فعّالة، ليس لها أعراض جانبية سيئة. نرُيد أن يُعامل المريض النفسي كما يُعامل مريض القلب ومريض الكبد وبقية المرضى .. لا أن يوضع في ذيل قائمة الاهتمامات الصحية للمسؤولين بحكم أن المريض النفسي لا يشكو وليس له واسطات فهو مريض مسكين يعيش في أوهامه وأمراضه التي تجعل الجميع يبتعد عنه.!
مُثبطات انزيم المونوامينواوكسيدز
النوع الثالث من الأدوية المضادة للاكتئاب هو ما يعرف بالأدوية بمُثبطات انزيم المونوامينواوكسيدز (Mono Amino Oxidize Inhibitors ) هذا العلاج لم يعد يُستخدم كثيراً الآن ولكن لازال يستخدم في بعض المستشفيات، ولكن نظراً للأعراض الجانبية وكثرة الأغذية والأدوية التي يتعارض معها فانه لا يُستخدم بكثرة. ولكن بالنسبة للمرأة الحامل أو المُرضع فانه يجب عدم استخدام هذا العلاج لأنه قد يُسببّ مشاكل للجنين وكذلك للوليد الذي يرضع من والدته.
النوع الرابع وهو الأدوية الأحدث الآن في الأسواق ويحوي أكثرمن مادة مضادة للاكتئاب، وهذا النوع لم تجر عليه دراساتٍ كافية لذلك لا يُنصح للمرأة الحامل أو المرُضع بأن تستخدم هذه الأدوية مثل الافيكسور وبقية هذه المجموعة من الأدوية الحديثة، وهي أدوية فاعلة وقوية وتعالج الاكتئاب الشديد لكن حتى الآن لا توجد دراسات كافية على أنها آمنة على صحة الجنين أو الرضيع لذلك يُنصح بعدم استخدامها للمرضع.
الأدوية المضادة للذهان:
الأدوية المضادة للذهان بوجهٍ عام يُفضل عدم استخدامها وتناولها أثناء فترة الحمل، ولكن يجب على المرأة الحامل أو المُرضع بمناقشة الأمر مع الطبيب المعالج لمعرفة مدى الحاجة الماسة لاستخدام مثل هذه الأدوية ولكن بوجهٍ عام لا يُنصح باستخدام هذه الأدوية للمرضع والحامل.
الادوية المضادة للقلق:
هذه الأدوية التي تُستخدم لعلاج القلق يُفضل عدم أستخدامها في الفترة الأخيرة من الحمل لأنها قد تؤثر على صحة المولود، لذلك يمكن استخدامها في فترة الحمل الا في الفترة الأخيرة من الحمل لأن هذه الأدوية المهدئة قد تقود الى ولادة طفل مُخدر وقد يتأثر تنفسه، ويجب مناقشة هذا الأمر مع الطبيب المعالج لتحديد الفترة المناسبة لاستخدام هذه الأدوية المضادة للقلق، خاصة أن قطعها فجأة قد يؤدي الى أعراض انسحابية غير مُستحبة.